pingidea.net
2011-06-15, 01:43 PM #1 الكسوف والخسوف وفزع الرسول ظاهرتا الكسوف والخسوف هل معرفة وقت حدوثهما يتعارض مع الفزع الوارد في الأحاديث النبوية؟ دأبت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة على الإعلان عما تحسبه المراصد الفلكية في داخل المملكة وخارجها عن موعد كسوف الشمس وخسوف القمر، ويكون ذلك بالدقائق ، بل بالثواني فتوهم بعضهم أن هذا من علم الغيب الأمر الذي دعا طائفة من العلماء في عصرنا وفي العصور المتقدمة إلى الأخذ بعدم إشاعة موعد الكسوف أو الخسوف بين العامة قال أبو بكر بن العربي في كتابه (أحكام القرآن) لما ساق رأي العلماء القائلين بتأديب من أخبر عن كسوف الشمس والقمر - قال " أما أدبهم فلأنهم يدخلون الشك في العامة في تعليق العلم بالغيب المستأنف، ولا يدرون قدر الفرق بين هذا [ يعني تحديد وقت الكسوف] وغيره فتشوش عقائدهم في الدين، وتتزلزل قواعدهم في اليقين، فأدبوا حتى يسروا ذلك إذا عرفوه ولا يعلنوا به". فإذا انتفى هذا التوهم بإدراك الناس أن الفلكيين قديماً وحديثا يحددون وقت الكسوف والخسوف بطرق حسابية بحته، بحيث لا يبقى شك في ربط ذلك بالغيب فإن شيئا آخر في هذه المسألة يشكل على كثيرين سواء من العامة أو من المتعلمين، ويوقعهم في بلبلة وحيرة، وهو قولهم إذا أصبحنا الآن نعرف سبب الكسوف، وكذلك بدايته ونهايته فلم الخوف منه أذن، ومن ثم الفزع إلى الصلاة ؟ حتى قال أحد المهتمين بشؤون الفلك " كان حدوث الخسوف والكسوف يسبب ذعراً وخوفاً للإنسان في العصور القديمة، ولكن هذه المخاوف قد زالت بعد فهم طبيعة نظام المجموعة الشمسية وحركات كواكبها، وتحديد أوقات الكسوف والخسوف لمئات السنين القادمة ".
الحمدلله وبعد،، قرأت عدة مرات في الصحف، وسمعت في عدد من مجالس بعض المنتسبين للثقافة من يطرح تساؤلاً حول (جدوى صلاة الكسوف في هذا العصر) خلاصة هذا الإشكال: (أن ظاهرة الكسوف لم تعد ظاهرة مفاجئة، بل هي ظاهرة علمية يمكن التنبؤ بها مسبقاً، فلذلك لا يمكن أن يقال أنها تخويف، وبالتالي فلا جدوى من صلاة الكسوف في هذا العصر). حسناً.. جوهر القضية هاهنا يقودنا للبحث عن ( أساس تشريع صلاة الكسوف؟) فهؤلاء الإخوة الذين يقولون أننا اليوم صرنا نعرف وقت الكسوف فلا معنى للصلاة وقعوا في خطأين بشكل مركب. أولهما خطأ فقهي وهو (أساس تشريع صلاة الكسوف) والثاني خطأ فلكي وهو (تاريخ المعرفة العلمية بمواعيد الكسوف). فهم يتصورون أن معرفة مواعيد الكسوف إنما وقع في هذا العصر! ولذلك تراهم يقولون (نحن اليوم صرنا نعرف مواعيد الكسوف! ) والواقع أن معرفة مواعيد الكسوف علم فلكي قديم معروف قبل أن يشرع الله جل وعلا صلاة الكسوف أصلاً، وقبل نبوة محمد، بمعنى أن الله شرع صلاة الكسوف وبني آدم يمكنهم معرفة مواعيده بشكل علمي حسابي. ومن أقدم الرصد لتطبيقات هذا العلم ماذكره المؤرخ الشهير "هيرودوت" (ت425 ق. م) المسمى (ابو التاريخ) حيث ذكرأن طاليس تنبأ بزمن الكسوف في أحد الحروب، ثم تم صياغة هذه التراكمات بطريقة علمية في كتاب بطليموس في علم الفلك عام (150م) وهو كتاب مشهور جداً ولايزال موجوداً، وأهم البحوث التي رصدت تاريخ التنبؤ بمواعيد الكسوف وكيف تطور علمياً هو كتاب تاريخي طريف للمؤلف ستيل اسمه ( الرصد والتنبؤ بمواعيد الكسوف بواسطة قدامى الفلكيين)، وتشير أمثال هذه الدراسات إلى علم التنبؤ بمواعيد الكسوف في الحضارة الصينية و البابلية وغيرها.
وقد نقل العلامة القرافي ما قرره ابن رشد الجد وأكده، حيث يقول (قال القاضي أبو الوليد ليس في معرفة الكسوف من جهة الحساب ادعاء غيب ولا ضلالة لأنه أمر منضبط بحساب حركات الكواكب) [القرافي، الذخيرة] وأشار مؤرخ الإسلام الذهبي إلى أن معرفة مواعيد الكسوف والخسوف من العلوم الفلكية الصحيحة المقبولة، حيث يقول: (وأما كسوف الشمس والقمر فشيء ظاهر، وأما حساب أهل الهيئة لذلك فشيء ما علمته يحرم أبداً ، وهو عندهم حساب قطعي ، ومن نظر في مستندهم جزم به) [الذهبي، تاريخ الإسلام] والحقيقة أن النصوص التراثية حول الموضوع كثيرة، ويبدوا أن ما سبق كافٍ في برهنة قدم معرفة مواعيد الخسوف والكسوف، وأنها قبل أن يشرع الله صلاة الكسوف، بل قبل بعثة محمد، وأن فقهاء الإسلام الكبار قرروا أنها من العلوم الفلكية الصحيحة، ووضحوا أنها لا تعارض أساس شرعية صلاة الخسوف والكسوف. حسناً.. أظن أنه من المناسب هاهنا أن ننتقل إلى ذكر بعض معالجات المعاصرين، فمن أطرف ذلك أنه كان في نجد في أيام أئمة الدعوة رجل مهتم بالفلك، ووجدوه يوماً في المسجد مستعدٌ لصلاة الخسوف! وقد روى القصة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله حيث يقول: (وإن كان ذلك –أي معرفة مواعيد الخسوف والكسوف- يدرك بالحساب، لأن له أسبابًا معلومة عند علماء الهيئة، إلا أَن الحساب يخطىء ويصيب... ، وأما انكار الجزم بوقت الكسوف والتحدث بذلك فهذا صنيع المشايخ مع من صدر منه ذلك، ينكرون عليه جزمه بذلك وافشاءَه، بل كان من المستفيض أَن رجلاً حاسبًا في بلد الدرعية، وقت أَولاد الشيخ محمد، أظنه يقال له ابن جاسر، كان ساكنًا في أَعالي الدرعية، فتوضأَ في نخله وركب حماره ونزل إلى مسجد البحيري، أَو غيره من المساجد الكبار في الدرعية، وكان يخبر من لقيه في الطريق أنه إنما نزل إلى المسجد لكون الشمس سيكسف بها وقت كذا وكذا من ذلك اليوم، فلما بلغ ذلك المشايخ من أَولاد الشيخ محمد رحمهم الله وغيرهم انكروا عليه جزمه بذلك وتوضئه وركوبه وسيره إلى المسجد لذلك) [ابن ابراهيم، مجموع فتاواه ورسائله] وقد نبه الشيخ عبدالرحمن بن قاسم –وهو من أخص تلاميذ الشيخ محمد بن ابراهيم- على أن معرفة الخسوف والكسوف ليس من التنجيم المذموم (وقال غير واحد: معرفة الكسوف لا يختص بالمنجمين، بل هو مما إذا حسبه الحاسب عرفه. )
ثم في عصر المأمون قام حنين بن إسحاق المعروف بترجمة كتاب (بطليموس) في علم الفلك وسماه العرب (المجسطي) ، ثم انتشر هذا الموضوع بين الفقهاء وصاروا يتحدثون عنه في كتبهم، وعن تفاصيل معرفة مواعيد الكسوف، وممن شرحه الفقيه المالكي ابن رشد الجد في البيان والتحصيل، وابن حزم في رسالته الطريفة مراتب العلوم، والقرافي في الذخيرة، والذهبي في تاريخ الاسلام، والرازي، وأما المعاصرين فكثير كابن عاشور والألوسي وغيرهم. فقد وضح شيخ المالكية ابن رشد الجد صحة معرفة مواعيد الكسوف بالحساب الفلكي ثم قال (ليس في معرفة وقت الكسوف بما ذكرناه من جهة النجوم وطريق الحساب؛ إدعاء علم غيب، ولا ضلالة وكفر، على وجه من الوجوه) [ابن رشد الجد، البيان والتحصيل. ] وتحدث العالم المثقف ابن حزم عن الكتب الفلكية التي يمكن من خلالها معرفة مواعيد الكسوف فقال (وبمطالعته كتاب المجسطي يعرف الكسوفات) [ابن حزم، رسالة مراتب العلوم]. وممن قرر مبدأ الإمكانية البشرية لمعرفة مواعيد الكسوف والخسوف ابو العباس ابن تيمية حيث يقول (يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل، كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل؛ إذ كل ذلك بحساب، كما قال تعالى "الشمس والقمر بحسبان") [ابن تيمية، الفتاوى، 35/175] وسئل ابن تيمية مرة عن هذه المسألة صراحة، فكان هذا صورة السؤال ومطلع جوابه: (مسألة: في قول أهل التقاويم في "أن الرابع عشر من هذا الشهر يخسف القمر، وفي التاسع والعشرين تكسف الشمس" فهل يصدقون في ذلك؟ الجواب: الحمد لله الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه) [ابن تيمية، الفتاوى، 24/256].
[ابن قاسم، حاشية الروض] أظنني أطلت بذكر نصوص ومعالجات الفقهاء، ولذلك سأختم بتقسيم جميل ذكره فقيه العصر الشيخ ابن عثيمين، حيث يقول: (والناس في هذا ثلاثة أقسام: مفرط في إثبات الشرع يأخذ بما يظهر له منه، وينكر الأسباب القدرية فيقول "إن الكسوف ليس له سبب حسي، ولا يمكن أن يدرك بالحساب" وربما يكفرون، أو يضللون من يقول بذلك. والثاني: مفرط في إثبات القدر، فيقول "إن للكسوف أسباباً حسية تدرك بالحساب" وينكرون ما سواها، ويضللون من يعتقد سواها مما جاء به الشرع. وكلا القسمين مصيب من وجه، مخطىء من وجه. والصواب مع القسم الثالث الذين يأخذون بهذا وهذا، فيؤمنون بما شهد به الحس، وبما جاء به الشرع، ولا يرون بينهما تنافياً؛ فإن الله تعالى يقدر الكسوف بأسباب حسية، لكن تقديره لهذه الأسباب له حكمة وغاية اقتضته وهي تخويف الله تعالى لعباده، كما أن الصواعق، والعواصف، والزلازل المدمرة لها أسباب حسية معلومة عند أهل الخبرة، والله تعالى يرسلها ليخوف بها العباد،) [ابن عثيمين، مجموع فتاواه] وخلاصة الأمر.. أن الخبرة البشرية الفلكية توصلت إلى معرفة مواعيد الكسوف قبل أن يشرع الله صلاة الكسوف أصلاً، بل قبل نبوة محمد أصلاً، وهذا يؤكد أن (صلاة الكسوف) ليس الأساس التشريعي لها كون بني آدم يجهلون موعد الكسوف، أو كونه يفاجؤهم بشكل اعتباطي خارج عن السنن الكونية، بل أساس تشريع صلاة الكسوف هو عظمة الآية ذاتها، فهذا النور الذي قال الله عنه (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) يذهب ضوؤه بشكل مهيب بما يذكر الناس بذهاب ضوء هذه الآيات يوم القيامة كما قال تعالى (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت)، ولذلك قال النبي عن هاتين الآيتين (يخوف الله بهما عباده) والتخويف ليس ناشئاً بسبب الجهل بموعد وقوع الآية، وإنما فرع عن هول الآية ذاتها.
للشيخ د. عبدالعزيز بن ريس الريس.... عبر قناة التيليجرام: 📆 مدة البرنامج 3️⃣ أيام فقط، ابتداءً من الثلاثاء 12/رمضان إلى الخميس 14/رمضان. آلية الدورة ومتطلباتها: ١- 📘 الاشتراك في الدورة يكون عبر الدخول على القناة الخاصة بها على الرابط التالي: ٢- 🎥 يُرسل على المجموعة كل يوم درس مختصر صوتي، ويقوم المشارك بالاستماع للدرس ومحاولة فهمه وضبطه. ٣- 📝 يُجرى للمشارك اختبار في الدروس السابقة تحفيزا له على المراجعة، وإعانة على الفهم والضبط، وحتى يتأكد الطالب من استيعابه لما يسمع. ٤- 💡 الأسئلة والإشكالات المتعلقة بالدرس سيوضع لها خانة مع الاختبار، وستعرض على الشيخ يجيب عليها بإذن الله. ٥- 📖 في نهاية الدورة سيكون هناك اختبار شامل لجميع ما تمت دراسته -إن شاء الله-. ٦- 📃 الإعلان عن أسماء الناجحين في ختام الدورة. هذا ونحث الجميع على الاشتراك في الدورة، ودلالة إخوانهم عليها من خلال نشر هذا الإعلان والروابط المتعلقة بها. وفق الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصالح. ▪️ نسعد باستقبال استفساراتكم على الواتس أب: (1) (2) 💡 دورة في مهمات أحكام الزكاة 📍 الدرس الأول ✍ د. عبدالعزيز بن ريس الريس ═══ ¤❁✿❁¤ ═══ ◼️ مهمات في أحكام الزكاة
شرح ظاهرة الكسوف والخسوف - video dailymotion
موقع توكيلات الجزيرة, 2024