pingidea.net
وقال آخر: ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ إلَّا نهاني الحَيَاءُ والكَرَمُ فلا إلى فاحشٍ مددتُ يدي ولا مَشَتْ بي لريبةٍ قدمُ [1385] ((ذم الهوى)) لابن الجوزي (ص 238).
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء يرخين ثيابهن شبراً تعجبت أم سلمة ورأت أن الشبر قليل لأنه قد ينكشف فتبدو أقدام المرأة فقالت: "إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ»، رواه الترمذي وصححه. وقال مجاهد: "كانت المرأة من النساء الأولى تتخذ لِكُمِّ دِرعها أزرارا تجعله في أصبعها تغطي به الخاتم". بل بلغ الحياء مبلغا لا يكاد يبلغه الخيال من المرأة المسلمة في مجتمع الصحابة في قصة المرأة السوداء التي كانت تصرع وكانت تتكشف حال صرعها دون ارادة ولا اختيار منها فجاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لها ان يشفيها الله فقالت اني أصرع وأتكشف فادع الله لي فقال لها إن شئت صبرت ولَك الجنة وان شئت دعوت الله لك ان يعافيك فقالت بل اصبر فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها متفق عليه. فانظر كيف رضيت بالصبر على المرض ولم ترض بالتكشف في حالة هي معذورة فيها. فما أطهر تلك القلوب وما أسمى تلك الأخلاق. نعم عباد الله هذا حال نساء الصحابة والتابعات لهن بإحسان في الحياء والتستر والتصون والاحتشام. وهن القدوة الصحيحة لنساء المسلمات. لقد ضعف سلطان الحياء على كثير من النساء وخفتت نار الغيرة عند كثير من الرجال فتولد عن ذلك خلل كبير ملحوظ في عدد غير قليل من النساء كما يشاهد ذلك في المستشفيات والأسواق وغيرها من مجامع الناس فصار مألوفاً عند بعضهم أن تكشف المرأة ذراعها أو تكشف وجهها بكامل زينته أمام البائع والسائق وغيرهما من الرجال الأجانب عنها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(رواه البخاري 6120). عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت »(رواه البخاري 6120). قال الخطَّابي: "قال الشَّيخ: معنى قوله « النُّبوَّة الأولى » أنَّ الحَيَاء لم يزل أمره ثابتًا، واستعماله واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم ينسخ فيما نسخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها"((معالم السنن للخطَّابي4/109)). قال ابن القيِّم: "خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياء فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء" ((مفتاح دار السَّعادة 1/277 بتصرُّف يسير)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستُّون- شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلَّا الله.
ومن المقاصد في ذكر حيائهن التنبيه على أن تكون تربية الآباء والأمهات لبناتهم على مثل هذا الحياء والحشمة، وتنبيه النساء أن يَكُنّ كذلك في سيرتهن وسلوكهن فقد قال تعالى في مشية المرأة (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ). وكما شرع للمرأة الحياء في مشيتها فقد شرع لها الحياء في صوتها وهي تكلم غير زوجها فقال تعالى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} وإذا نهي نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن الخضوع بالقول وهن الطاهرات المطهّرات فغيرهن من باب أولى. وشرع لها الحياء في لباسها وزينتها وبدنها فأمرت بالقرار في البيوت كما قال تعالى (وقرن في بيوتكن) فلا تخرج إلا لحاجة ومصلحة دينية أو دنيوية. ونهيت عن التبرج كما قال تعالى (ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وقال تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب). ولما نزلت هذه الأحكام بادر نساء المؤمنين إلى امتثالها والعمل بمقتضاها فكنّ أحرص النساء على التستر والاحتشام ففي قصة الإفك أنّ عائشة رضي الله عنها ما إن رأت صفوان بن المعطَّل حتى بادرت إلى تغطية وجهها وما كلمته ولا كلمها حتى لحقا بالجيش.
وقال ابن حجر في تخريج المشكاة 4/386: رجاله رجال الصَّحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2635).
موقع توكيلات الجزيرة, 2024